الوجيز في النظرية العامة للالتزام المسؤولية المدنية - الجزء الثاني -

تفصيل

إن المسؤولية المدنية بحر متلاطم الأمواج، خاصة مع التطور الذي تعرفه بين الفينة والأخرى، فربمـا مـن أكثر قواعـد القانون المدني تطـورا، نجد قواعد المسؤولية المدنية، خاصة مع زيادة وتيرة التطور التكنولوجي، وكذلك ازدياد الأخطار البيئية، مما يفرض على قواعد المسؤولية المدنية التطور المتسارع لمواكبة الأحداث من خلال النوازل المستجدة، وفي هذا الصدد يقـول عنهـا أحـد فقهاء القانـون "بـأن مشاكل المسؤولية المدنية انهـا تهدف إلى أن تحتل مركز القانون المدني، وبالتالي مركز القانون كله، فهي تجمع بين جميع اتجاهات القانون العام والقانون الخاص في نطاق الأشخاص كما في نطاق الأموال.

ولا نبالغ إذا قلنا أن المسؤولية المدنيـة مـن أجمل المواد وامتعها، ونعتبرهـا رياضيات القانون المدني، بإشكالاتها المتنوعة ونوازلها المتعددة، وتجـدد قضاياهـا التـي يحـاول المشرع اللحاق بهـا مـن خـل سـن قـواعـد واحـكام لها، وفي حالة عـجـزه وعدم مسايرة التشريع لتطورهـا، فإنها تجد أمامها القضاء الذي يحاول إيجاد حلول واقعية لنوازلها العملية الكثيرة، سـواء في شقها العقدي أو التقصيـري أو الحالات الخاصـة للمسؤولية التـي ظهـرت مـع التطور التكنولوجـي والتقنـي والبيني، ويكفي أن نذكر الفصل 88 من ظهيـر الالتزامات والعقود وكيـف سـاهم لعقود في التصدي لمختلف المستجدات التي عرفتها المسؤولية المدنية في مجال حراسة الأشياء .

وقد ارتأينا في هذا المؤلف أن نجمع جميع محاور المسؤولية المدنية، إنطلاقا من المبادئ العامة التي لا غني عنها لفهم المسؤولية المدنية، حيث تم التطرق للتطور الذي عرفته المسؤولية، وكذلك انقسامها إلى عدة أنواع، وأبرز الإشكالات التي تطرحها ولا سيما تلك المتعلقة مسألة الوحدة والازدواجية، وكذلك مسألة الجمع والخيار بين المسؤولية العقدية والتقصيرية، باعتبار أن هذه المبادئ العامـة هـي المفتاح لفهم المسؤولية المدنية، وقد خصصنا الباب الثاني للمسؤولية العقدية، وإن كان بعض الفقه المغربـي قـد درج على دراسة أحكامها ضمن أحكام العقد، إلا أننا ارتأينا اختيار التوجه الفقهي الثاني الذي يجمع بين جميع أنواع المسؤولية في مؤلف واحـد، تسهيلا على الطلبة والباحثين والممارسين للاطلاع على جميع أنواع المسؤولية، خاصة أن هناك تقارب في مجموعة من الأحكام، في حين خصصنا الباب الثالث، لجوهـر هاته المسؤولية ومحركها، ألا وهي المسؤولية التقصيرية، بمختلف أنواعها سواء عن الفعل الشخصي أو عن فعل الغير أو الأشياء الحية والجامدة، وكذلك مسؤولية الدولة عن اخطائهـا وأخطاء موظفيهـا والمسؤولية المدنية للقاضي ومسؤولية حائـز الشـيء، وغيرهـا مـن أنـواع المسؤولية التي نظمها المشرع في الباب المتعلق بالمسؤولية التقصيرية فضلا عن آثار هذه المسؤولية من دعوى واختصاص قضائي وتعويض وتقادم .

أما الباب الرابع من هذا المؤلف فكان هـو الختام وخصصناه لبعض الأنظمة الحديثة الخاصة بالمسؤولية المدنية والتي أفزرها التطور الذي عرفته البشرية عموما والفكر القانوني خصوصا، ومن أبرز هاته المسؤوليات نجـد مسؤولية المنتج عن منتجاته المعيبة، وكذلك المسؤولية البيئية عموما، والمسؤولية عن الأضرار النووية على وجه الخصوص .

وحاولنا ربط الأحكام العامة الواردة في ظهير الالتزامات والعقود بالأحكام الخاصـة الواردة في قوانين خاصة، وكذلك التطرق لموقف القضاء في مجموعة من القضايا الشائكة في مجال المسؤولية المدنية، وعن الحلول التي اعتمدها .

وختاما حاولنا أن يكون هذا الكتاب لا بالطويل الممل ولا بالقصير المخل، ويكون وسطا بين ذلك وتعم به فائدة للطالب الحديث العهـد بالدراسات القانونيـة الـذي نـقـرب إليـه أبجديات المسؤولية المدنية، وتكـون فيـه فـائـدة كذلك للباحث المتمرس والممارس، مـن خـلال القضايا والإشكالات التي تطرحا المسؤولية المدنيـة سـواء في شقها العقدي أو التقصيـري أو في حالاتها الخاصة، والتي حاولنا الإجابة عليها من خلال توظيف النصوص القانونية والتطبيقات القضائية لها.