تشكل مؤسسة التذييل بالصيغة التنفيذية أحد الآليات المسطرية الهامة، التي تمكن من ضمان استمرار القوة التنفيذية للسندات الأجنبية خارج حدود السيادة الإقليمية الصادرة باسمها، وما يقترن بذلك الامتداد الإجرائي من حقوق موضوعية تهم مصالح المواطنين والأجانب وتتعلق بأغراضهم الأساسية، سواء في المجالات المدنية أو
التجارية أو الأسرية أو الجوانب المرتبطة بالدعوى المدنية التابعة، في نطاق ما يندرج ضمن موضوعات القانون الدولي الخاص، كما تشكل أيضا فرصة للقاضي الوطني للانفتاح على منظومات قانونية أخرى، والاطلاع على مستويات أخرى للإبداع الإنساني في المجال القانوني، مما لا يتوافق دائما مع خصوصياته المحلية، بل وقد يبدو مصادما لبعض ثوابته الإجرائية المستقرة في تشريعه الداخلي، غير أن مثل هذه الاختلافات المرتبطة بالاختيارات التشريعية لكل مجتمع على حدة، يجب أن لا تحول دون إيصال الحقوق لأصحابها وتحميل المستفيد من الحكم تبعات لا دخل له في إيجادها.
ومن هذا المنطلق، يجب على قاضي التذييل تحقيق التوازن الفعال بين أمرين اثنين:
أولهما: وهو احترام الاختيارات التشريعية للدول الأخرى، وهذا هو جوهر التعايش بين الأنظمة القانونية المختلفة، أو بعبارة أخرى بين أعضاء الجنس البشري، على نحو يضيق من نقط الاختلاف ويبرز موجبات الائتلاف، كضرورة مرتبطة بسنة كونية قائمة وفق التعبير القرآني على قطبي التعارف والتسخير، لقوله تعالى في الآية 13 من سورة الحجرات « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ » وقوله تعالى في الآية 32 من سورة الزخرف "رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ»، وهي سنن لا ترتبط بالمجال الجغرافي السيادي، كما أن عدم الاعتراف بالحقوق والمراكز القانونية الناشئة بالخارج يصادم ما ذكر.
ثانيهما:وهو الأهم وهو الحرص على عدم التضحية بمصالح الناس الناشئة خارج الحدود الإقليمية لقاضي التذييل، بدعوى حماية النظام العام الداخلي في بعض تجلياته، التي تبقى بعيدة عن متعلقات النظام العام الحقيقي المتمثل في القيم العليا والثوابت الكلية للمجتمع بأسره، أو تظل متصلة ببعض مقتضيات النظام الإجرائي المحلي الذي تقف فعاليته ضمن النطاق الداخلي فقط، كإشهاد عدلين أو حضور شاهدين مسلمين أو تدخل القاضي في عملية إنهاء العلاقة الزوجية، وغيرها مما يمكن إدراجه ضمن الحمية الوطنية الضيقة الزائفة، التي تعكس قناعات ذاتية وليس شعورا عاما داخل البلد، فقاضي التذييل راع نبيل، لا يستعمل عصاه إلا ليهش بها على السندات موضوع التذييل ويلتمس لها جملة الأسانيد الموجبة للإعمال، ولا يمنعها من ورود حماه، إلا متى وصل التناقض منتهاه، خاصة وأن القاضي الوطني أمام أوضاع قائمة ومراكز مستقرة، ورعيا لهذا الوضع فقد أقر الفقهاء قاعدة أنه يغفر في الانتهاء ما لا يغفر في الابتداء، وفي هذا المنحى الإيجابي يجب أن يصرف الاجتهاد، فالفقيه كما يقول الإمام مالك رضي الله عنه هو من يبيح للناس بدليل أما الحرام فالكل يحسنه.
والله ولي التوفيق والسداد.
إصدارات -لنفس المؤلف-
120,00 د.م
تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية - التطبي