شهادة اللفيف وإشكالاتها الفقهية والقضائية - دراسة تأصيلية
عادل حاميدي
هذا الكتاب هو دراسة تأصيلية وتطبيقية لشهادة اللفيف، والتي تعتبر بحق فخر مدرسة الغرب الإسلامي الفقهية، وإرثا فقهيا تليدا ودليلا شاخصا على مرونة أحكام الفقه الإسلامي وتأسيسها على علل ومناطات تتغيا مصالح الناس في العاجل والأجل، وذلك من خلال الفقه الإنشائي المواكب لمتطلبات كل عصر وخصوصيات كل مصر، والضابط في ذلك الثبات في المقاصد والمرونة في الوسائل، وهذا السفر يعد في أصله جزءا من أطروحة دكتوراه في الآداب شعبة الدراسات الإسلامية بجامعة القاضي عياض بمراكش، نلت به تلك الدرجة العلمية الرفيعة بميزة مشرف جدا مع توصية بالطبع. فشهادة اللفيف هي ذات أصول فقهية خالصة، سدت فراغا مهولا في وسائل الإثبات خلال حقبة معينة، عزفيها مثل ذلك، وقدمت خدمات جلى في كافة المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والدينية، وحمت سائر الحقوق الشخصية والعينية، وجعلتها في حرز مصون ودر مکنون، كما أنها تعد وثيقة تاريخية تعكس الحياة الاقتصادية والاجتماعية خلال حقبة معينة، غير أن النزوع نحو التقنين وفساد بعض الذمم واستشراء التحايل والتعويل على أدلة إثباتية أكثر إلزاما وحجية، سيما الكتابة، وتضارب الاجتهاد القضائي بخصوصها إعمالا أو إهمالا، اعتمادا أو استبعادا، فتارة يعتبرها حجة عاملة وأخرى مجرد شهود، وفي أحايين يجردها من كل حجية، جعل هامش إعمال هذه الشهادة ضيقا، فبات بريقها إلى أفول وإقبالها إلى إدبار.
ولعل التخفيف من القيود الموضوعية والمحترزات الإجرائية التي وضعها فقهاء التوثيق، الأفذاذ بعد استقراء وتتبع حدا من مثالب هذه الشهادة وعدم تقنين أحكامها، واتساع مجالات إعمالها بلا ضوابط هادية، ودون مراعاة لطبيعتها الاستثنائية، طالما أن الأصل هو شهادة العدول، وسبل الإثبات الأخرى الأكثر صدقا وحجية، والتجرؤ على هذه الشهادة واستسهال أدائها بكل جسارة، دون خوف من عقاب أخروي أو وجل من جزاء دنيوي، فمن أمن العقوبة أساء الأدب، ودون مراعاة لعظم آثارها في العاد والمعاد، أفضى إلى الارتياب في هذه الشهادة، وإلى المساس بالأمن التوثيقي والقضائي، فغدت محل ظنة وموضع قالة، وأصبحت دليلا احتياطيا ودليل من لا دليل له في سائر القضايا المدنية والأسرية والتجارية والعقارية والزجرية، فأضحت بذلك جزءا من المشكلة وليست سببا في الحل كما هو دأبها، وهذا دليل ظاهر على ضعف الوازع الديني والوهن الذي أصاب منظومة القيم والأخلاق في هذا الزمان، فكان العيب فينا لا في أصل هذه الشهادة، أي في التنزيل لا التأصيل.
وهو ما يقتضي تفعيل محصنات هذه الشهادة ومحترزاتها الموضوعية والإجرائية، سواء تلك التي وضعها الحذاق من الفقهاء والنوازليين بعد استقراء وتتبع، أو تلك المبتوتة في القوانين الإجرائية والموضوعية، تلك التي اقتضتها ظروف العصر، سيما الاستفسار وتغليظ أداء الأيمان زمانا ومكانا، وتوسيع وتفعيل أسباب التجريح والاستكثار من عدد الشهود وأداء الشهادة بين يدي المحكمة وتجريم بعض الممارسات وتغليظ العقوبات، ذلك أن دواعي إعمال هذه الشهادة التي تم الحفاظ عليها بهمة قضاة التوثيق وتزكية من قضاة الموضوع وبسعي موصول من العدول الذين توارثوا هذه الشهادة كابرا عن كابر، خلفا عن سلف بالسند المتصل، لازالت قائمة، فبعض الحقوق العينية نظير الملكيات والإحصاءات، والشخصية، كالإراثات، والغيبة وغيرها لا يقع إثباتها بغير اللفيف، فكان في حظر اعتماده فيها ضرر محقق ومفسدة ظاهرة...
د عادل حاميدي
عادل حاميدي