القانون المدني دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام في ضوء
عبد الرحمان الشرقاوي
عملنا في هذا الجزء الثاني من كتابنا القانون المدني، والمتعلق بالواقعة القانونية، على تناوله بنفس المفاهيم التي اعتمدناها في الجزء الأول الذي خصصناه للتصرف القانوني، وذلك باعتماد قراءة جديدة لنظرية الالتزام، تنبع أساسا من تأثر هذه الأخيرة بالتحولات الاقتصادية والتكنولوجية التي عرفها العالم في العقدين الأخيرين على وجه الخصوص، والتي لا زالت العديد من التشريعات الوضعية لم تستطيع مواكبتها، بما يحقق مصلحة الطرف المتضرر، سواء كان ذلك نتيجة عمل ضار أو عمل نافع.
وقد اعتمدنا في العديد من محاور هذه الدراسة، على العديد من الاتفاقيات الدولية والقواعد الكونية وبعض التشريعات المدنية الحديثة، كالقانون المدني السويسري، من أجل تبني بعض المبادئ القانونية الكبری، کمبدإ الوقاية في مجال المسؤولية المدنية، والتي نرى بأنها كفيلة بتحقيق تلك المصالح المتضررة، في ظل هذا التقدم الكبير الذي عرفه العالم في العشرين سنة الأخيرة، إضافة إلى التعديلات التي عرفها القانون المدني الفرنسي، بمقتضى الأمر الصادر بتاريخ 10 فبراير 2016 .
أما على المستوى الوطني، فإننا حاولنا معالجة النظام القانوني للواقعة القانونية بوجه عام برؤية حديثة، محاولين إعطاء تصورات جديدة للنصوص القانونية التي عمر بعضها قرنا کاملا من الزمن؛ وحاولنا أن ننفخ فيها نفسا جديدا، معتمدين على العديد من النصوص القانونية الحديثة الإصدار، سواء تلك التي تم إقحامها في ظهير الالتزامات والعقود، كما هو الشأن بالنسبة للقانون رقم 24.09 المتعلق بسلامة المنتوجات والخدمات، أو تلك التي تم تبنيها بمقتضى نصوص خاصة، كما هو الشأن بالنسبة للقوانين المتعلقة بالمسؤولية البيئية، من قبيل القانون رقم 11.03 وغيره، والقوانين الخاصة بالمسؤولية النووية، وأخص بالذكر هنا القانون رقم 12.02 المتعلق بالمسؤولية المدنية في مجال الأضرار النووية؛ دون إغفال بعض النصوص التي قد تبدو للبعض بأنها بعيدة عن مجال الواقعة القانونية، كما هو الشأن بالنسبة للقانون الجديد رقم 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، وأيضا القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، والقانون رقم 52.05 المتعلق بمدونة السير.
من جهة أخرى، فإنه بالرغم من إيماننا العميق بتواضع العمل القضائي المغربي في موضوعنا هذا، مقارنة بالعمل القضائي الفرنسي على وجه الخصوص، الذي ساعدنا في كثير من الجوانب على تعضيد بعض قناعاتنا، واقتصاره على تناول بعض النقط القانونية المتعلقة بالواقعة القانونية، إضافة إلى انحساره على نفسه، من خلال صعوبة وصول الباحثين إلى العمل القضائي غير المنشور، والذي قد يكون على قدر كبير من الأهمية، لاسيما في ظل إيماننا الراسخ بالمستوى الكبير للقضاة المغاربة، فإننا التجأنا إلى بعض الوسائل الخاصة، في انتظار تفعيل مقتضيات الحق في المعلومة المكفول دستوريا، لاسيما بعض العلاقات الطيبة مع كثير من الممارسين، الذين أوجه لهم من هذا التقديم تحياتي الخالصة، وأتمنى من الله العلي القدير أن يبارك لهم في مجهوداتهم وسخائهم المعرفي والعملي، سواء داخل محاكم المملكة بمختلف درجاتها أو داخل أسوار الجامعة المغربية.
الأمر الذي جعلنا نوظف هذا العمل القضائي، سواء تمثل في القرارات القضائية الصادرة عن محكمة النقض أو القرارات الصادرة عن كثير من محاكم الاستئناف بالمملكة، دون أن نتجاهل الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية المغربية؛ بل إن الجزء الكبير من هذا العمل القضائي يبقى غير منشور وحديث.
عبد الرحمان الشرقاوي
عبد الرحمان الشرقاوي
عبد الرحمان الشرقاوي