النظام القانوني لعمليات التركيز الاقتصادي و ضمان التنافسية
عبد الكريم طاهور
قد كان مجيء دستور 2011 إيذانا لبداية مرحلة جديدة من تأطير الممارسات داخل السوق ليعطي نفسا جديدا ودفعة قوية لقانون المنافسة، حيث رفع هذا الدستور مجلس المنافسة إلى مصاف الهيئات الدستورية وحدد بشكل دقيق الغاية منه، وفي هذا الإطار نص الفصل 166 منه على أن : «مجلس المنافسة هيئة مستقلة مكلفة في إطار تنظیم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق ومراقبة التركيز الاقتصادي والاحتکار».
ولتنزيل هذه المقتضيات على أرض الواقع صدر القانون 12-104 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة والقانون 13-20 المتعلق بمجلس المنافسة بتاريخ 30 يونيو 2014 (في نفس العدد من الجريدة الرسمية) واللذين نسخا القانون 99-06.
وباستقراء المقتضيات التي جاءت في هذين النصين يلاحظ أنها تضمنت مجموعة من المستجدات المهمة التي توخي المشرع من خلالها القطع مع التردد والارتجالية التي طبعت النص القانوني المنسوخ.
وهكذا أصبح مجلس المنافسة يتمتع بسلطة تقريرية في مجال محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز. ولعل السمة البارزة التي طبعت هذه النصوص هي العناية التي حظيت بها مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي التي عرفت تعديلات جذرية، همت مختلف جوانب العملية، بدءا بمفهوم التركيز الاقتصادي ونطاق تطبيق المراقبة ومرورا بالضمانات المخولة للأطراف المعنية والغير أثناء سير مسطرة المراقبة وكذلك توزيع صلاحيات إعمال المراقبة بين مجلس المنافسة والإدارة وانتهاء بالقرارات المتخذة والعقوبات المقررة في حالة عدم احترام المنشآت أطراف العملية لمقتضيات المراقبة وأيضا طرق الطعن في القرارات.
ولعل هذا الكم الهائل من التعديلات التي عرفها بالخصوص هذا القسم المتعلق بعمليات التركيز الاقتصادي، يجعل البحث فيه مغامرة محفوفة بالمخاطر، اختار الباحث عبد الکریم طاهور خوضها بكل جرأة وشجاعة علمية وهو يدرك كل الإدراك الصعوبات التي قد تعترض الباحث القانوني حينما يتناول موضوعا يغلب عليه الجانب الاقتصادي، وهو يسعى من وراء ذلك إلى أن يكون له قصب السبق في دراسة هذا الموضوع في ضوء النص الجديد.
يثير هذا الكتاب بالفعل عدة تساؤلات أساسية ومحورية حول فلسفة المشرع في معالجة عمليات التركيز الاقتصادي، واستطاع الباحث الإجابة عن بعضها بنوع من الدقة ويسلط الضوء على بعض الثغرات التي تعتري النص القانوني وإجراء مقارنة مع ما هو عليه الحال في القانون الفرنسي الذي استقى منه المشرع المغربي مقتضيات القانون 12-104 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.
لا يسعنا في هذا الإطار إلا أن نهنئ الدكتور عبد الكريم طاهور على هذا العمل الجدي الذي من شانه أن يسد الخصاص الذي تصادفه في هذا المجال ويغني الخزانة المغربية لاسيما و ان المر يتعلق بموضوع يهم قانون المنافسة الذي نلاحظ عزوف الباحثين القانونيين عن الخوض فيه .
.لا يوجد أي كتاب