النظام القانوني للشغل في المنازل بالمغرب
صفاء مخشاني
إن البحث في موضوع الشغل المنزلي له بالأساس هدفان اثنان، هدف شخصي وهدف علمي :
الهدف الشخصي: من خلال تعایشی مع حالات واقعية للعمالة المنزلية التي عانت وتعاني من الاضطهاد والاستغلال والحيف وسوء المعاملة التي تتلقاها بعض العاملات المنزليات، والاعتداءات الجسدية والمعنوية التي تطالهن، إضافة إلى الأشغال الشاقة يعهد بها إليهن، وضعف الأجور التي يتلقينها، وبصفة عامة الوضعية الصعبة لعدد منهن داخل بيوت الأسر المشغلة. حيث أتاح لي تواجدي المستمر على مستوى بعض الجمعيات الحقوقية بمدينة مراكش، التي تعنى بحماية الطفولة والنساء في وضعية صعبة، والوقوف على حالات إنسانية أليمة، يساهم في تفاقمها السكوت التشريعي عن تنظيمها طيلة العقود السابقة، وعدم خضوعها للتشريع الاجتماعي، في انتظار إصدار القانون الخاص بالعمال المنزليين، الذي لم يدخل حيز التطبيق إلا في 10 شتنبر 2018، حيث انتابتني رغبة ملحة لمعرفة الوضع التشريعي والقضائي لهذه الفئة، ومقارنته بالحالة الواقعية التي تعيشها، كمحاولة أساهم بها من أجل رفع الحيف والتهميش الذي تعاني منه هذه الفئة.
ونفس الأمر بالنسبة لعمل الأجراء المشتغلين بمنازلهم، وخصوصا النساء، حيث يتميز عمل عدد منهن بعدم الثبات، ويعملن مقابل أجور لا تطابق ما هو معمول به في قانون الشغل بالنسبة لباقي الأجراء، كما لا يخضعن لأية مراقبة أو تفتيش من قبل الأجهزة المختصة، ودون مراعاة لشروط الصحة والسلامة، فقد انتابني الفضول العلمي المعرفة الأسباب الكامنة وراء هذا التهميش، ومعرفة وضعية الأجراء المشتغلين بمنازلهم الذين يعتمد عملهم على الوسائل الحديثة للتكنولوجيا، والذين يتلقون تكوينا علميا عاليا، هل يعانون مما يعاني منه الأجراء المنزليون الذين يكون عملهم يدويا؟ ومقارنة الوضعيتين، ومعرفة مكامن الخلل التي جعلت الأجراء المشتغلين بمنازلهم لا يستفيدون من الحماية التي يوفرها القانون الاجتماعي لكافة الأجراء، رغم خضوعهم نظريا التشريعات الشغل.
الهدف العلمي: يهدف أساسا هذا البحث إلى تسليط الضوء على ما يلحق العمالة المنزلية من تهميش وإقصاء، والمساهمة في رفع الوعي بوضعية العمل المنزلي والعاملين فيه، وإثارة الانتباه، ليس فقط إلى العاملات المنزليات، بل أيضا إلى الأجيرات المشتغلات بمنازلهن، اللواتي يتعرضن لاستغلال قوة عملهن وطاقتهن مقابل أجور منخفضة لا ترقی إلى الحد الأدنى القانوني للأجر، شأنهن في ذلك شأن العمال المنزليين، من أجل إيلاء المزيد من الاهتمام والرعاية لوضعية المرأة والطفولة، ومحاربة أشكال وظروف التشغيل اللإنسانية. إيمانا منا بأن للمرأة الدور الأهم في المجتمع، فهي نصفه وهي التي تسهر على تربية الأجيال الناشئة، وبالتالي فإن الاهتمام بالمرأة مرآة تعكس مدى تطور المجتمعات ومراعاتها لحقوق الإنسان، وتطلعها لتحقيق التنمية الشاملة المتوخاة.
كما يهدف هذا البحث إلى تحليل ونقد أبرز ما يطبع الوضع الراهن للشغل المنزلي، من زاوية قانونية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية، وعمق إنساني. وهذا ما دفعنا إلى محاولة استجلاء حقيقة الموقع الذي تحتله الشغيلة المنزلية كطائفة مستقلة، ضمن حركية الإطار التشريعي والتنظيمي للشغل والتشغيل، ومقارنتها بحركية الواقع المعيش، إيمانا منا بأن قوة النص القانوني تكمن في سهولة تنزيله على أرض الواقع، من خلال تهين التربة المناسبة لذلك، باندماج وتناغم بين ما هو قانوني واجتماعي واقتصادي ونفسي وثقافي.
.لا يوجد أي كتاب