الزيادة في الصداق
رجاء الحمداوي
لقد اقترحت على الباحثة الآنسة رجاء الحمداوي أن تتصدی لدراسة موضوع " الزيادة في الصداق" لاستكمال نيل "دبلوم الماستر في العلوم القانونية" الذي منحه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكدال التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، مواكبة منا لما أفرزته الممارسة التعاقدية من إحياء لهذه الصورة من صور التعاقد بين الزوجين، علما أنه أصبح يقع اللجوء اليوم إليها في غياب تنظيم تشريعي لها باستثناء ما خصه بها فقهاء الشريعة الإسلامية من مختلف المذاهب .
وقد اشتغلت الباحثة على عينة من الوثائق العدلية، وهي تغطيجميع جهات المملكة من جنوبها ووسطها وشمالها . وقد نشرتها في ملاحق هذه الرسالة. كما نشرت بعض الأحكام والقرارات التي فصل بموجبها القضاء في النزاعات التي عرضت عليه والمتعلقة بهذا العقد. وفضلا عن ذلك نشرت أيضا الدورية التي أصدرها الحافظ العام سنة 2015 من أجل توحيد العمل بين الحافظين على الأملاك العقارية بمختلف ربوع المملكة بعدما تبين له تباین مواقفهم من الزيادات في الصداق التي طلب منهم تقييدها أو إيداعها .
ويتضح من هذه الوثائق مدى انتشار هذه الممارسة؛ وبالتالي أحقيتها بالدراسة والتحليل والمناقشة لمواكبة مدى مساهمة كل من القضاء والإدارة في تأطيرها أو توجهيها . فقاضي التوثيق يخاطب على الرسوم المتضمنة للزيادات في الصداق بعد التأكد من سلامتها . وقضاء الحكم، وعلى رأسه محكمة النقض، تصدى للفصل في المنازعات المتعلقة بهذا العقد، المرفوعة إليه في الغالب من لدن ورثة الزوج بعد وفاته للمطالبة بإبطاله؛ معتمدا في ذلك على قواعد الفقه الإسلامي وكذا على القواعد العامة في قانون العقود. والمحافظ العام سمح للمحافظين " بإمكان (ية) إيداع أو تقييد عقد الزيادة في الصداق بالسجلات العقارية متى كان مستوفيا لباقي الشروط الأخرى المطالبة قانونا " ؛ مستندا في ذلك إلى ما جاء في تحفة ابن عاصم الغرناطي، وبالتالي القول بأنه "ليس هناك ما يمنع أن يزيد الزوج في صداق زوجته بعد إبرام عقد الزواج" .
وقد تمكنت الباحثة - بفضل مواظبتها على الاستفادة من حصص التأطير الفردية والجماعية التي خصصتها لطلبتي في قسمي الدبلوم والدكتوراه - من معالجة هذا الموضوع في ضوء هذا التدخل الإيجابي لكل من القضاء والإدارة؛ وكذا في ضوء المقتضيات المنصوص عليها في الفقه الإسلامي، باعتباره المصدر الرسمي الاحتياطي لمدونة الأسرة في هذا الباب؛ مستهدفة بالأساس تأصيل وتكييف هذا العقد .
وتبعا لذلك؛ قسمت رسالتها إلى فصلين؛ عالجت في الأول منهما تأصيل هذا العقد في ضوء العمل المغربي الموافق للشريعة الإسلامية . وانتهت بشأنه إلى نتيجة أساسية و هي أن الزيادة في الصداق أمر جائز شرعا ، استنادا لقوله تعالى في الآية 24 من سورة النساء : " ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة". كما وقفت على ما خصه بها فقهاء المذهب المالكي من مقتضيات دونوها في أهم المصنفات المعتمدة لديهم حيث ركزت على كل من "المدونة" و"المختصر" و"التحفة" وشروحهما .
أما الفصل الثاني فقد خصصته لتكيف عقد الزيادة في الصداق، وما إذا كانت هذه الزيادة تعتبر فعلا جزءا من الصداق وملحقة به أم لا؛ لما لهذا التكييف من أهمية قصوى في حل الإشكالات العملية التي يطرحها هذا العقد سواء أمام مصالح المحافظة العقارية أو المصالح الجبائية، وما مدى تأثير هذا التصرف على حقوق كل من الدائنين والورثة.
وقد انتهت الباحثة إلى نتيجة أساسية وهي أن هذه الزيادة قد تكون مطية للتحايل على حقوق الدائنين أو الورثة أو الدولة؛ وبالتالي فقد اقترحت تكييف عقد الزيادة في الصداق على أنه هبة. واعتبرته التكييف السليم لهذا التصرف في ذاته الناحية القانونية؛ والأكثر تحقيقا للتوازن بين مصلحة الزوجين وبين مصلحة الغير من الدائنين والورثة والدولة، لأنه يحول دون التهرب من أداء الرسوم الجبائية والضريبية، أو المساس بالضمان العام المقرر للدائنين .
كما استحسنت الباحثة تدخل المشرع المغربي على هذا الأساس، قصد تصحیح وتوجيه هذه الممارسة التعاقدية التي قد تتخذ من الزيادة في الصداق ذريعة لتهريب اموال الزوج المدين نحو مؤسسة الصداق بهدف الاحتماء بما يقرره له القانون من مقتضيات حمائية إضعافا للضمان العام المقرر للدائنين، أو بهدف التملص من الالتزامات الجبائية تجاه الدولة .
والحق أن المسألة محط خلاف بين مختلف المذاهب الفقهية، بين من اعتبر الزيادة صداقا تنزل منزلته، وبين من اعتبرها تصرفا قانونيا مستقلا.
بل هناك من فسر قوله تعالى " ولا جناح عليكم فيما تراضیم به من بعد الفريضة" (الآية 24 من سورة النساء ) على أنه متعلق بنفي الجناح على الزيادة في زواج المتعة أجرا وأجلا.
وقد ذكرت الباحثة عن حق طبعا - أن ذلك يعكس تصور الفقهاء الموضوعي للالتزامات المدنية والقائمة في هذا الباب على تشبيه الصداق بالثمن، وبالتالي يشترط في الأول ما يشترط في الثاني في الإثبات والنفي وفي الزيادة والنقصان .
وأود أن أنوه هنا بصفة خاصة باعتمادها للدراسة القانونية المقارنة، وذلك بانفتاحها على القوانين الأجنبية وعلى الفقه الإسلامي في نفس الوقت؛ للاستفادة من التشريعات العربية التي نظمت الموضوع بنص صريح، وكذا للاستفادة من مواقف وآراء علماء باقي المذاهب الفقهية الإسلامية من غير المذهب المالكي والاستئناس بها؛ وذلك لأن الدراسة القانونية المقارنة تعتبر في نظري وسيلة أساسية لتطوير وإصلاح القانون الوطني والنهوض به .
وهو ما اقتنعت به الباحثة، وعملت على تطبيقه، بالرغم مما وجدته من مشقة في البحث والتنقيب في مراجع ومصنفات الفقهاء. صحيح أني ساعدتها في انتقاء وتحليل هذه النصوص الفقهية، وتصحيح مسودات هذا البحث، لما وجدته فيها من التحلي بفضائل البحث العلمي وهي: الصبر، وحب الاطلاع، والبحث عن المعلومة في احترام تام للأمانة العلمية. و مع ذلك يظل عقد الزيادة في الصداق من الموضوعات التي تستحق أن تبحث بتعمق أكثر في إطار الفقه المقارن .
كما أود كذلك أن أغتنم هذه المناسبة للتأكيد على أهمية درس الفقه الإسلامي، وخاصة منه درس الأصول، بالنسبة لتكوين طلبة كلية الحقوق حتي تسترجع هذه الأخيرة مكانتها المتميزة التي كانت لها بين مدارس ومناهج تدريس الفقه الإسلامي .
وعموما ، فقد شجعتها لجنة المناقشة على نشر هذا البحث، بعد تنقيحه في ضوء ملاحظاتها ، لتعم الفائدة منه بين عموم القراء. وقد تحقق لها فضل السبق فيه في غياب أية دراسة جامعية متخصصة حوله من مذكرات ماستر أو أطروحات؛ بل ندرة المؤلفات المتخصصة بشأنه.
.لا يوجد أي كتاب