القانون الدولي الخاص المغربي جذوره التاريخية ومرجعيته الوض
محمد الشافعي
إن البحث عن الجذور التاريخية للقانون الدولي الخاص المغربي يستلزم الاعتماد على التاريخ وعلى علم الاجتماع والانتروبولوجيا القانون وغيرها من وسائل وآليات البحث العلمي، لأن فهم فلسفة النصوص المنظمة لوضعية الفرنسيين والأجانب بالمغرب، المجسدة أساسا في ظهير 12 غشت 1913 واستيعاب مضامينها لا يمكن أن يتم دون دراسة وفهم القوانين التي صدرت إبان فترة الحماية الفرنسية التي كان لها خلفيات سياسية واقتصادية لربط هيمنتها على المغرب انطلاقاً من قناعتها بأن تثبيت مطامع الاستعمار يقتضي قبل كل شيء السيطرة على الأرض (من سيطر على الأرض، سيطر على البلاد والعباد) ووضع ترسانة قانونية بسرعة للاستحواذ عليها عن طريق نزعها من ملاكها المغاربة الأصليين وتمريرها إلى المعمرين الفرنسيين وكذلك الأجانب لتشجيع الاستيطان الزراعي والسيطرة على مواردها الطبيعية نظرا لارتباط الرأسمالية بالأرض كمصدر أساسي لتجميع الرساميل، فابتداء من القرن 17 الميلادي، يمكن الحديث عن الإقامة السلمية للأجانب المسيحيين بالمغرب، فدول أوروبا الغربية والولايات الأمريكية قد توصلت بين القرنين 17 و 19 إلى تنظيم الوضعية القانونية والاقتصادية لرعاياهم عن طريق إبرام معاهدات ثنائية مع المغرب مقتبسة أساسا من تلك التي أبرمت مع الإمبراطورية العثمانية وقتئذ، حيث توصلت مجموعة من الدول المذكورة أعلاه إلى الحصول على عدة امتيازات بالإيالة الشريفة، منها الحماية القنصلية. فنظام الامتيازات كان يشكل قبل فرض الحماية الفرنسية تشريعا حقيقيا لقانون الدولي الخاص لأنه كان ينظم تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدولي عندما يكون أحد المدعين من رعايا الدولة المتمتعة بالامتيازات بالمغرب. غير أنه في بداية القرن 19 الميلادي، بدأت المنافسة الإمبراطورية بين الدول الكبرى للسيطرة على البلاد، خاصة بعد احتلال فرنسا للجزائر وتونس، فكل هذه الدول تحاول بسط نفوذها على المغرب وتفوقها على الفرنسيين والفوز بالسبق لاستعمار البلاد.
لمعرفة المراحل التي مر منها قانون الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب بالمغرب، يجب تناول ثلاث محطات أساسية، ما دامت دراسة الجذور التاريخية لهذا القانون تستلزم الاعتماد في البحث على التاريخ السياسي والاجتماعي الذي يعتبر أحد المفاتيح الأساسية لفهم أصول هذا النص التشريعي والوقوف على المراحل التي مر منها من تاريخ ولادته يوم 12 غشت 1913 إلى يومنا هذا، وهي ثلاث مراحل تاريخية مترابطة ومتميزة عن بعضها البعض، المرحلة الأولى أهم أولا مغرب ما قبل الاستعمار والمرحلة الثانية تتعلق بفترة مغرب الاستقلال. فدراسة هذا الموضوع يل امس البعد التاريخي المحمل بالصور والمحطات المحفورة في ذاكرة قانون الوضعية للفرنسيين والأجانب غير المسلمين المقيمين بالمغرب وقتذاك في منطقة الحماية الفرنسية والذي انتقل بعد الاستقلال من نفس الصورة التي ولد بها ليطبق فوق التراب الوطني.
محمد الشافعي
محمد الشافعي