القانون, المجتمع والرقمنة التأثير والتأثر

تفصيل

شهد العالم منذ بداية الربع الأخيـر مـن القرن الماضي تطورا وتقدما غير مسبوقين في مجال الاتصالات، مما أدى إلى حدوث طفرة تكنولوجيـة هـائلـة فـي مجـال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات انطلقت مع اكتشاف الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي، فانتقـل العـالـم مـن عالم حقيقي إلى عالم افتراضي لا يعترف بالحدود الجغرافية الفاصلة بين القارات والدول، ولا بالأنماط العادية للعيش والتعايش.

وقـد تـرتـب عـن هـذا التطـور ثـورة رقميـة بفعل التكنولوجيا الرقمية التي أصبحـت جـزء لا يتجزأ من المجتمعات وحتى جسم الإنسان، بسرعة الانتشار، مما جعلهـا تفـوق كل الابتكارات في التاريخ البشري ولا تعرف حدودا زمانيـة أو مكانية ولا مجالية، الأمر الذي لا محالة سينعكس على القانـون وقواعـده السائدة، ويتطلب تدخلا تشـريعيا لملائمة المتغيرات الرقمية.

هذه الملائمة وبعد أن عجزت عنها القوانين التقليدية الناشئة في بيئة مادية وعالم حقيقي توجهت جل التشريعات التي من بينها المشرع المغربي إلى إصدار قوانين لتطويع وتحديث منظومتها القانونية لمواكبة وضبط التحول الرقمي، بحيث تدخل المشرع المغربي بشكل مستمر لوضع ترسانة تشريعية وتنظيمية ومؤسساتية فـي إطـار التحول الرقمي، منذ أواخر القرن الماضي بإصـداره القانون رقم 96.24 المتعلق بالبريد والاتصالات سنة 1997 لتتوالى التدخلات التشريعية التي مازالت مستمرة إلى يومنـا هـذا، والتي شملت كل فـروع القانون العام والخاص بالإضافة إلـى إصـدار قوانين تتميـز بطابـع خـاص تنصـب علـى ضبط الخصوصيـات التقنية للتكنولوجيا الرقمية.

ومـن هـذا المنطلـق جـاءت فكـرة مقاربة العلاقة بيـن القـانـون والرقمنة والمجتمـع مـن مختلف الجوانب والتخصصات القانونيـة، فـي شـكل مـؤلـف جماعـي بغيـة البحـث فـي جـل الانعكاسات المتبادلة بيـن القانـون والرقمنة، أي علاقة التأثير والتأثر، وتناول الإشكالات النظرية والعملية والوقوف علـى مكـامـن القصـور فـي القوانين المنظمـة للرقمنة وتقديم مقترحات لتجاوزها.