الوسيط في الأصول التجارية - الجزء الثاني -
مصطفى بونجى / نهال اللواح
بالرغم من كثرة المنازعات المتعلقة بالتسيير الحر للأصل التجاري وتشعب الإشكالات العملية المرتبطة به، فإنه لم يحظ باهتمام فقهي كبير، ذلك أن أطروحة أستاذنا الفاضل الدكتور محمد مومن، والصادرة كتابا سنة 2005 ، تشكل المرجع الوحيد في هذا الموضوع.
ويأتي هذا الجزء الثاني من كتاب الوسيط في الأصول التجارية، مخصصا للتسيير الحر للأصل التجاري، وذلك خلافا للترتيب المتبع من قبل المشرع المغربي، في تنظيمة للعقود والتصرفات الواردة على الأصل التجاري، وخلافا كذلك للمتعارف عليه في تبويب الدراسات المنصبة على الأصل التجاري.
فالمتعارف عليه، يتمثل في تولي دراسة بيع الأصل التجاري، ورهنه، وتقديمه حصة في شركة، ثم في الأخير، دراسة التسيير الحر للأصل التجاري. غير أننا، وبعد أن خصصنا الجزء الأول من كتاب الوسيط في الأصول التجاري، لدراسة الأصل التجاري ومشتملاته بين القانون والقضاء والتطبيقات العملية لذلك، فضلنا تخصيص الجزء الثاني منه لدراسة التسيير الحر للأصل التجاري، وذلك للاعتبارات التالية :
إن استغلال الأصل التجاري هو سبب وجوده، ذلك أن نشأته مرتبطة باستغلاله، كما أن نهايته مرتبطة بانتهاء استغلاله ، ومن هنا تأتي أهمية التسيير الحر للأصل التجاري.
فالتسيير الحر للأصل التجاري وسيلة فعالة لضمان استمرار استغلال الأصل التجاري، فهو يمثل أحد أشكال تشطير الملكية والفصل بين حق الملكية من جهة، وحق الاستغلال من جهة ثانية . وهذا التطور الذي لحق الأصل التجاري كانت الغاية منه الحفاظ على استمرار الأصل التجاري في حالة تعذر ذلك على التاجر، إما نتيجة الوفاة وانتقال الأصل التجاري إلى القاصر، أو انتقاله إلى أحد الأشخاص المحظور عليهم العمل التجاري، وهو الشيء الذي دفع بالمشرع الفرنسي إلى الانتقال بعقد التسيير الحر للأصل التجاري من العقد غير المسمى إلى العقد المسمى.
وانطلاقا من أن الأصل التجاري مال منقول معنوي يشمل جميع الأموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية، فقد عمل المشرع المغربي على الاعتراف بإمكانية انتقال ملكيته، إذ أنه نص في المادة 81 من م ت على أنه "يتم بيع الأصل التجاري أو تفويته وكذا تقديمه حصة في شركة أو تخصيصه بالقسمة أو بالمزاد"، كما أنه وانطلاقا من قاعدة كل ما يمكن بيعه يمكن رهنه، فقد نصت المادة 106 من م ت، على جواز رهن الأصل التجاري، وتكملة لنفس التصور التشريعي للأصل التجاري نص المشرع المغربي على إمكانية إكراء الأصل التجاري، وذلك من خلال التنصيص على عقد التسيير الحر للأصل التجاري من خلال المواد من 152 إلى 158 من مدونة التجارة.
و إذا كان الملاحظ بأن المشرع المغربي استقى الكثير، إن لم نقل، كل المقتضيات المنظمة للتسيير الحر للأصل التجاري من نظيره الفرنسي ، غير أنه لم ينهل منه فيما يتعلق بالتعديلات المتلاحقة المدخلة على تنظيم التسيير الحر للأصل التجاري، وذلك بالرغم من الطابع الجوهري لهذه التعديلات وأهميتها العملية .
فالمشرع المغربي، ومنذ تبنيه للقانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة ، لم يدخل أي تعديل على المقتضيات المنظمة للتسيير الحر للأصل التجاري، في حين نجد بأن تنظيم التسيير الحر للأصل التجاري في التشريع الفرنسي، يعرف دينامكية تشريعية متواصلة، ذلك أن هذه التعديلات تجاوزت سبعة تعديلات، من سنة 2004 إلى سنة 2021 .
ووقوفا منا على التنظيم التشريعي للتسيير الحر للأصل التجاري وفقا للتشريع المغربي، فالملاحظ بأنه وبقدر ما نظم المشرع المغربي بيع الأصل التجاري أو تفويته وكذا تقديمه حصة في شركة أو تخصيصه بالقسمة أو بالمزاد، وكذلك رهنه، بإحكام وتفصيل، فإن التنظيم التشريعي لعقد التسيير الحر للأصل التجاري وفقا للتشريع المغربي لم يحظ بتنظيم محكم، بل أن الملاحظ بأن المشرع المغربي اكتفى فقط بإيراد تعريف محتشم لعقد التسيير الحر، وتنظيم أثار عقد التسيير الحر في مواجهة الأغيار، دون إعطائه الأهمية اللازمة لضبط العلاقة بين الأطراف الرئيسية لعقد التسيير الحر، وهما مالك الأصل التجاري والمسير الحر له.
و بالنظر إلى هذا القصور التشريعي، فإن عقد التسيير الحر وبالرغم من أنه عقد تجاري مسمى ومنظم، فالتطبيقات العملية لعقد التسيير الحر وحل المنازعات المترتبة عنه لا تجد لها جوابا من خلال مقتضيات المواد من 152 إلى 158 من مدونة التجارة، بل أن ذلك يفرض لزوما الرجوع إلى المقتضيات العامة الواردة في ق ل ع في الباب المتعلق بالكراء وهي المقتضيات التي لا تتماشى دائما مع الطبيعة الخاصة لعقد التسيير الحر للأصل التجاري.
و ترتيبا على ما سبق، فالإلمام بتنظيم عقد التسيير الحر للأصل التجاري يقتضي قلب قاعدة التدرج في القواعد القانونية، وقلب قاعدة الخاص أولى من التطبيق على العام، لنكون أمام أولوية قاعدة أن عقد التسيير الحر للأصل التجاري هو عقد منظم وملزم لطرفين وبالصيغة المتفق عليها عملا بالفصل 230 من ق ل ع، وأن هذا العقد يخضع في أحكامه لأحكام كراء المنقول في ق ل ع، ثم في الأخير فان هذا العقد يخضع لبعض المقتضيات الخاصة موضوع الفصول من 152 إلى 158 من م ت، وهو الشيء الذي يفرض تدخلا تشريعيا ضامنا لمبدأ الأمن القانوني لأطراف عقد التسيير الحر.
ولدراسة عقد التسيير الحر للأصل التجاري، فقد قسمنا هذه الدراسة إلى بابين، حيث خصصنا الباب الأول منها لدراسة عقد التسيير الحر بين القانون والتطبيقات العملية، ذلك أننا تناولنا في هذا الباب الطبيعة القانونية لعقد التسيير الحر وخصائصه، والتطرق للإشكالات المرتبطة بتمييزه عن باقي العقود والتصرفات المشابهة له، ولشروط إبرام عقد التسيير الحر للأصل التجاري وآثار تخلف هذه الشروط، أثار عقد التسيير الحر للأصل التجاري، سواء بالنسبة لطرفين أو بالنسبة للأغيار، ولنختم هذا الباب بأسباب انقضاء عقد التسيير الحر والآثار المترتبة عن انقضاءه، وذلك كله أخذا بعين الاعتبار للنص القانوني والعمل القضائي الصادر في الموضوع.
أما الباب الثاني من هذه الدراسة، فقد خصصناه للعمل القضائي الصادر في موضوع عقد التسيير الحر للأصل التجاري، هذا العمل الذي يضيء طريق كل باحث في الموضوع، ويقدم أجوبة لحل الإشكالات المتعلقة بالنزاعات المترتبة على هذا النوع من العقود، وذلك بسبب القصور التشريعي الذي يعتري تنظيم عقد التسيير الحر للأصل التجاري.
فمحصلة العمل القضائي الصادر في الموضوع، تكاد تؤسس لنظرية عامة متكاملة لتنظيم عقد التسيير الحر للأصل التجاري، وهي المحصلة التي نتمنى أن يتبناها المشرع المغربي.
مصطفى بونجى
مصطفى بونجى